الزوجة الصالحة هي قرة عين زوجها ومهجة قلبه ومنبع سعادته في الدنيا والآخرة، هي التي تحسن معاملته وتطيع أوامره ما دامت لا تخالف شرع الله، تحزن لحزنه وتفرح لفرحه ولا تفشي أسراره، ولا تكبله بمزيد من الأعباء والمطالب التي يعجز عن تحقيقها، هي التي تقصر بصره عليها، وقلبه عن التفكير إلا فيها، ولسانه عن الثناء إلا عليها وذلك بتوددها إليه وحسن إنصاتها له، وحفظ معروفه وجميله، والإهتمام بميوله وهواياته ومشاركته إياها، والحرص على إحترامه وتقديره في قرارة نفسها وأمام الجميع، وغمره بحنانها وإحتوائها ليَسعد قلبه وتطمئن نفسه ويرتاح باله، مما يجعله يشعر بأنها نصفه الآخر الذي لا يمكنه الإنفصال عنه بأي حال من الأحوال..
الزوجة الصالحة هي من تدخل على قلب زوجها البهجة والسرور بإهتمامها دومًا بنظافتها ونظافة بيتها وهندامها وحسن مظهرها ومخبرها وحلو منطقها وكلامها ولين جانبها، وخفض جناحها وفهمها لطبيعة شخصيته ومفاتيح قلبه وعقله، وغرسها مشاعر اللهفة والشوق في قلبه بتجددها الدائم وبعدها عن الرتابة والملل، فضلًا عن حرصها دومًا على تغييره إلى الأفضل والتعامل مع عيوبه ومثالبه بإيجابية وحكمة، فمواجهة عاداته غير الحميدة وتغييرها لا يمكن أن يكون بالصدام والشجار والتعنيف والتوبيخ، بل بالحب والصبر والرفق والشعور بالفضل، لقوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} [البقرة:237].
وأما الحب في هذه الحالة فهو حب من نوع خاص، حب غض الطرف عن المساوئ كحب الأم لولدها، تحبه رغم ما يفعل بها أحيانا من عقوق وإمتهان..
وإذا ظنت أي زوجة أن قبول عيوب زوجها والصبر عليها دربا من دروب الخيال ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، خاصة إذا حاولت مرارا وتكرارا إصلاحها بنصحه كثيرا مع إصراره على الإعراض ورفض التغيير إلى الأحسن وعدم محاولته جهاد نفسه للتخلص من نواقصه ومثالبه.
فإليها هذا النموذج الطيب الذي يدل على أن المستحيل لا مكان له في حياة الزوجة الصالحة الصابرة ذات النوايا الصادقة..
السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمت رضي الله عنها مع أمها وأخواتها، وحاولت أن تدعو زوجها إلى الإسلام كذلك حاول معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه رفض أن يترك دين آبائه وكان مما قال لها: والله ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحب إليّ من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، ولكني أكره لك أن يقال: إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته، وبإنتصار المسلمين ببدر وقع أبو العاص أسيرًا عندهم، فأرسلت زينب أخا زوجها عمرو بن الربيع وأعطته قلادة زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك القلادة، ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق قلبه، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم والدموع نازلة من عينيه، وقال لهم: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا» قالوا: نعم يا رسول اللّه، فردّوا عليها الذي لها ولقبت بصاحبة القلادة.
هاجم المسلمون قافلة أبي العاص العائدة من الشام، فوقع مرة أخرى في الأسر، فأجارته زينب وجهرت بذلك بعد الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ؟» قالوا: نعم. قال: «فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت».
ورحل أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذي حق حقه، ثم أعلن إسلامه على الملأ ثم هاجر في سبيل اللّه إلى المدينة في السنة السابعة من الهجرة، فإجتمعت زينب بزوجها مرة أخرى.
إنها زوجة من طراز فريد، زوجة ساعدت زوجها على الفرار من النار إلى رضا الله والجنة.. ما أجمله من حب في الله ولله، فهي لم تيأس منه رغم تمسكه بكفره، ولكنها لم تنس رفقه بها ومعاشرته لها بالمعروف قبل أن يفرق الإسلام بينهما.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.